ولما كانت العبرة إنما هي بالمعاني، فمن كان معناه ناقصاً كان كأنه جسد لا روح فيه، له صورة بلا معنى، قال: ﴿جسداً﴾ فغلب على ذلك المكان الشريف مع ما كنا شرفناه به من هيبة النبوة المقرونة بالملك بحيث لم يكن أحد يظن أن أحداً يقدر على أن يدنو إليه فضلاً عن أن يغلب عليه، فمكنا هذا الجسد منه تمكيناً لا كلفة عليه فيه، بل كان ذلك بحيث كأنه ألقى عليه بغير اختياره ليعلم أن الملك إنما هو لنا، نفعل ما نشاء بمن نشاء، فالسعادة لمن رجانا والويل لمن يأمن مكرنا فلا يخشانا، فعما قليل تصير هذه البلدة في قبضتك، وأهلها مع العزة والشقاق طوع مشيئتك ويكون لك بذلك أمر لا يكون لأحد بعدك كما أنه ما كان لأحد كان قبلك من نفوذ الأمر وضخامة العز وإحلال الساحة الحرام بقدر الحاجة وسعة الملك وبقاء الذكر، والذي أنت فيه الآن ابتلاء واختبار وتدريب على ما يأتي من الأمور الكبار.
ولما كان المراد بإطلاق الجسد عليه التعريف بأنه لا معنى له، لا أنه لا روح فيه، أطلقه ولم يتبعه ما يبين أنه جماد كما فعل في


الصفحة التالية
Icon