لما يريد الذي له مجامع العظمة والإحاطة بصفات الكمال ﴿نزّل﴾ أي بالتدريج للتدريب وللجواب عن كل شبهة ﴿أحسن الحديث﴾ وأعظم الذكر، ولولا أنه هو الذي نزله لما كان الأحسن، ولقدر - ولو يوماً واحداً - على الإتيان بشيء من مثله، وأبدل من «أحسن» قوله: ﴿كتاباً﴾ أي جامعاً لكل خير ﴿متشابهاً﴾ أي في البلاغة المعجزة والموعظة الحسنة، لا تفاوت فيه أصلاً في لفظ ولا معنى، مع كونه نزل مفرقاً في نيف وعشرين سنة، وأما كلام الناس فلا بد فيه من التفاوت وإن طال الزمان في التهذيب سواء اتحد زمانه أو لا، والاختلاف في المختلف في الزمان أكثر، ولم يقل: مشتبهاً، لئلا يظن أنه كله غير واضح الدلالة لا يمدح به.
ولما كان مفصلاً إلى سور وآيات وجمل، وصفه بالجمع في قوله: ﴿مثاني﴾ جمع مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير أي تثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام والحكم، مختلفة البيان في وجوه من الحكم، متفاوتة الطرق في وضوح الدلالات، من غير اختلاف أصلاً في أصل المعنى، ولا يمل من تكراره، وترداد قراءته وتأمله واعتباره، مع أن جميع ما فيه أزواج من الشيء وضده: المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، والرحمة العامة والرحمة الخاصة، والجنة والنار، والنعيم


الصفحة التالية
Icon