والشقاء والضلال والهدى، والسراء والضراء، والبشارة والنذارة، فلا ترتب على شيء من ذلك جزاء صريحاً إلا ثني بإفهام ما لضده تلويحاً، فكان مذكوراً مرتين، ومرغباً فيه أو مرهباً منه كرتين، ويجوز أن يكون التقدير: متشابهة مثانيه، فيكون نصبه على التمييز، وفائدة التكرير أن النفوس أنفر شيء عن حديث الوعظ والنصيحة، فما لم يكرر عليها عوداً على بدء لم يرسخ عندها ولم يعمل عمله، ومن ثم كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرر قوله ثلاث مرات فأكثر.
ولما كان التكرار يمل، ذكر أن من خصائص هذا الكتاب أنه يطرب مع التكرار، ويزداد حلاوة ولو ثنى آناء الليل وأطراف النهار، فقال: ﴿تقشعر﴾ أي تهتز وتتجمع وتتقبض تقبضاً شديداً، من القشع وهو الأديم اليابس، وزيد حرفاً لزيادة المعنى، واختير حرف التكرير إشارة إلى المبالغة فيه، وكونه حرف التطوير أشد للمناسبة ﴿منه جلود﴾ أي ظواهر أجسام ﴿الذين يخشون﴾ أي يخافون خوفاً شديداً ويلتذون لذة توجب إجلالاً وهيبة، فيكون ذلك سبب ذلك، وزاد في مدحهم بأنهم يخافون المحسن، فهم عند ذكر أوصاف الجلال أشد خوفاً، فلذلك لفت القول إلى وصف الإحسان فقال:


الصفحة التالية
Icon