فضلاً عن العقل، قال تهكماً بهم بالتعبير بما يعبر به عن الذكور العقلاء لكونهم ينزلونهم بالعبادة وغيرها منزلة العقلاء مع اعترافهم بأنهم لا عقل لهم، فصاروا بذلك ضحكة وشهرة بين الناس: ﴿بالذين﴾ وبين حقارتهم بقوله: ﴿من دونه﴾ وهم معبوداتهم ضلالاً عن المحجة فيقولون: إنا نخشى عليك أن يخبلك آلهتنا كما قالت عاد لهود عليه السلام ﴿أن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء﴾ [هود: ٥٤] وسيأتي التعبير عنهم بالتانيث زيادة في توبيخهم.
ولما كان من الحق الواضح كالشمس أن ما قالوه لا يقوله عاقل، وكان التقدير: فقد أظلهم الله إهانة لهم وهداك إكراماً لك، بين أنه سبحانه قسرهم على ذلك ليكون إضلاله لهم آية كما أن هداه لمن هداه آية، فقال مخففاً عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إذهاب نفسه عليهم حسرات دامغاً للقدرية: ﴿ومن يضلل الله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا يرد أمره ﴿فما له﴾ لأجل أنه هو الذي أضله ﴿من هاد﴾ أي فخفض من حزنك عليهم ﴿ومن يهد الله﴾ أي الذي لا يعجزه شيء أبداً ﴿فما له من مضل﴾ فهو سبحانه يهدي من شاء منهم إن أراد.
ولما لم تبق شبهة ولا شيء من شك أن الهادي المضل إنما هو الله وحده وأنه جعل شيئاً واحداً سبباً لضلال قوم ليكون ضلالهم


الصفحة التالية
Icon