المراد من كتاب لا عوج فيه بوجه، هداية تقتضي لزومه والثبات عليه ﴿وينصرك الله﴾ بنصرهم على ملوك الأمم وجلائهم لسائر الغمم، نصراً يليق إسناده إلى اسمه المحيط بسائر العظم ﴿نصراً عزيزاً﴾ أي يغلب المنصور به كل من ناواه ولا يغلبه شيء مع دوامه فلا ذل بعده لأن الأمة التي تنصف به لا يظهر عليها أحد، والدين الذي قضاه لأجله لا ينسخه شيء.
ولما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر المؤمنين برؤياه أنه يطوف بالكعبة الشريفة، وعز على العمرة عام الحديبية، وخرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج معه خلاصة أصحابه ألف وخمسمائة، فكانوا مؤقنين أنهم يعتمرون في وجههم ذلك، وقر ذلك في صدورهم وأشربته قلوبهم، فصار نزعه منها أشق شيء يكون، قصدهم المشركون بعد أن بركت ناقته وصالحهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يرجع عنهم في ذلك العام ويعتمر في مثل ذلك الوقت من القابل، وكان ذلك - بل أدنى منه - مزلزلاً للاعتقاد مطرقاً للشيطان الوسوسة في الدين، وقد كان مثله في الإسراء ولم يكن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بما يوهم في أمره فارتد ناس كثير بسببه، قال تعالى دالاً على النصر بتثبيت المؤمنين في هذا المحل الضنك إظهاراً لتمام قدرته ولطيف حكمته:


الصفحة التالية
Icon