محيط بهم في الدارين، وكان ذلك أمراً يوجب تشعب الفكر في المؤثر فيهم ذلك، عطف على ما تقديره إعلاماً بأن التدبير على هذا الوجه لحكم ومصالح يكل عنها الوصف، ودفعاً لما قد يتوهمه من لم يرسخ إيمانه مما يجب التنزيه عنه: فلله القوة جميعاً يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير سبب ترونه: ﴿ولله﴾ أي الملك الأعظم ﴿جنود السماوات والأرض﴾ فهو يسلط ما يشاء منها على من يشاء.
ولما كان ما ذكر من عذاب الأعداء وثواب الأولياء متوقفاً على تمام العلم ونهاية القدرة التي يكون بها الانتقام والسطوة قال تعالى: ﴿وكان الله﴾ الملك الذي لا أمر لأحد مع أزلاً وأبداً ﴿عزيزاً﴾ يغلب ولا يغلب ﴿حكيماً *﴾ يضع الشيء في أحكم مواضعه، فلا يستطاع نقض شيء مما ينسب إليه سبحانه وتعالى.
ولما تبين أنه ليس لغيره مدخل في إيجاد النصر، وكانت السورة من أولها حضرة مخاطبة وإقبال فلم يدع أمر إلى نداء بياء ولا غيرها. وكان كأنه قيل: فما فائدة الرسالة إلى الناس؟ أجيب بقوله تقريراً لما ختم به من صفتي العزة والحكمة. ﴿إنا﴾ بما لنا من العزة والحكمة ﴿أرسلناك﴾ أي بما لنا من العظمة التي هي معنى العزة