رحمته التي هيأهم بها للإحسان إلى عياله فنزعوا الهوى من صدورهم فصاروا يرونه وحده سيدهم المحسن إليهم لا يرون سيداً غيره، ولا محسن سواه. ولما ذكر عبادتهم وطلبهم الزيادة منها ومن غيرها من فضل الله الذي لا يوصل إلى عبادته إلا بمعونته، أتبعه المطلوب الأعلى فقال: ﴿ورضواناً﴾ أي رضاء منه عظيماً.
ولما ذكر كثرة عبادتهم إخلاصهم فيها اهتماماً به لأنه لا يقبل عملاً بدونه، دل على كثرتها بقوله: ﴿سيماهم﴾ أي علامتهم التي لا تفارقهم ﴿في وجوههم﴾ ثم بين العلامة بقوله: ﴿من أثر السجود﴾ فهي نور يوم القيامة - رواه الطبراني عن أبي بن كعب رضي الله عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا مع ما لهم من مثل ذلك في الدنيا من أثر الخشوع والهيبة بحيث إنه إذا رئي أحدهم أورث لرائيه ذكر الله، وإذا قرأ أورثت قراءته حزناً وخشوعاً وإخباتاً وخضوعاً، وإن كان رث الحال رديء الهيئة، ولا يظن أن من السيما ما يصنعه بعض المرائين من هيئة أثر سجود في جبهته، فإذا ذلك من سيما الخوارج، وفي نهاية ابن الأثير في تفسير الثفن: ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: رأى رجلاً بين عينيه مثل ثفنة العنز، فقال: لو لم يكن هذا لكان خيراً - يعني كان على جبهته أثر السجود، وإنما كرهها خوفاً من الرياء بها، وقد روى صاحب الفردوس


الصفحة التالية
Icon