فبين لهم فكذبوه بأجمعهم، فلم يزل يقويه حتى أظهر فيه آية مجده وأظهر دينه على الدين كله، ودخل فيه الناس طوعاً وكرهاً على وجوه من المجد يعرفها من استحضر السيرة ولا سيما من عرف أمر بني أسد وغطفان الذين نزلت فيهم هذه الآيات، وكيف كان حالهم في غزوة خيبر وغيره.
ولما كان المراد بهذا تجهيلهم وتعليمهم حقائق الأمور، لا الشهادة لهم بالهداية، قال منبهاً على ذلك: ﴿إن كنتم﴾ أي كوناً أنتم عريقون فيه ﴿صادقين *﴾ في ادعائكم ذلك، فإنه على تقدير الصدق إنما هو بتوفيق الله وهو الذي خلق لكم قدرة الطاعة، فهو الفاعل في الحقيقة فله المنة عليكم، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: من لاحظ شيئاً من أعماله وأحواله فإن رآها دون نفسه كان شركاً، وإن رآها لنفسه كان مكراً، فكيف يمن العبد بما هو شرك أو مكر، والذي يجب عليه قبول المنة كيف يرى لنفسه على غيره منة، هذا لعمري فضيحة، والمنة تكدر الصنيعة، إذا كانت من المخلوقين، وبالمنة تطيب النعمة إذا كانت من قبل الله.
ولما نفى عنهم ما هو باطن، وختم جدالهم سبحانه بهذه الشرطية، فكان ربما توهم قاصر النظر جامد الفكر عدم العلم بما هو عليه، أزال


الصفحة التالية
Icon