﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر البديع من العظات التي صرفناها هنا على ما ترون من الأساليب العجيبة والطرق الغريبة في الإهلاك وغيره ﴿لذكرى﴾ أي تذكيراً عظيماً جداً. ولما كان المتذكر بمصارع المهلكين تارة بأن يكون حاضراً فيرى مصارعهم حال الإيقاع بهم أو يرى آثارهم بعد ذلك، وتارة يخبر عنها، قال بادئاً بالرائي لأنه أجدر بالتذكير: ﴿لمن كان﴾ أي كوناً عظيماً ﴿له قلب﴾ هو في غاية العظمة والنورانية إن رأى شيئاً من ذلك فهو بحيث يفهم ما يراه ويعتز به، ومن لم يكن كذلك فلا قلب له لأن قلبه لما كان غير نافع كان عدماً.
ولما كان قد بدأ بالناظر لأنه أولى بالاعتبار وأقرب إلى الادكار، ثنى بمن نقلت إليه الأخبار فقال: ﴿أو ألقى﴾ أي إلقاء عظيماً بغاية إصغائه حتى كأنه يرمي بشيء ثقيل من علو إلى سفل ﴿السمع﴾ أي الكامل الذي قد جرده عن الشواغل من الحظوظ وغيرها إذا سمع ما غاب عنه ﴿وهو﴾ أي والحال أنه في حال إلقائه ﴿شهيد *﴾ أي حاضر بكليته، فهو في غاية ما يكون من تصويب الفكر وجمع الخاطر، فلا يغيب عنه شيء مما تلي عليه وألقي إليه، فيتذكر بما ذكرناه به عن قدرتنا من الجزئيات ما أنتجه من القدرة على كل شيء، ورأى مجد القرآن فعلم أنه كلام الله فسمعه منه فصدق الرسول، وقبل كل ما يخبر به، ومن سمع شيئاً ولم يحضر له ذهنه فهو غائب، فالأول العالم بالقوة وهو المجبول


الصفحة التالية
Icon