إما يكون مطيعاً في مجموع عمره أو في بعضه... على الطاعة، وكانت الطاعة تجبُّ ما قبلها، وتكون سبباً في تبديل السيئات حسنات فضلاً منه سبحانه، فكان كل من القسمين مطيعاً في جميع زمانه، نزع الجارّ فقال: ﴿قبل ذلك﴾ أي في دار العمل، وقيل: أخذوا ما فرض عليهم بغاية القبول لأنهم كانوا قبل فرض الفرائض يعملون على المحبة وهو معنى ﴿محسنين *﴾ أي في معاملة الخالق والخلائق، يعبدون الله كأنهم يرونه، ثم فسر إحسانهم معبراً عنه بما هو في غاية المبالغة بقوله: ﴿كانوا﴾ أي لما عندهم من الإجلال له والحب فيه بحيث كأنهم مطبوعون عليه، ولغاية التأكيد وقع الإسناد إليهم مرتين ﴿قليلاً من الليل﴾ الذي هو وقت الراحات وقضاء الشهوات، وأكد المعنى بإثبات «ما» فقال: ﴿ما يهجعون *﴾ أي يفعلون الهجوع وهو النوم الخفيف القليل، فما ظنك بما فوقه لأن الجملة تثبت هجوعهم وهو النوم للراحة، وكسر التعب وما ينفيه، وذكر الليل لتحقق المعنى فإن الهجوع النوم ليلاً، فالمعنى أنهم يحيون أكثر الليل وينامون أقله. ولما كان المحسن لا يرى نفسه إلا مقصراً، قال دالاًّ على ذلك وعلى أن تهجدهم يتصل بآخر الليل مؤكداً بالإسناد مرتين أيضاً: ﴿وبالأسحار﴾ قال ابن زيد: السحر: السدس الأخير من الليل ﴿هم﴾ أي دائماً بظواهرهم وبواطنهم ﴿يستغفرون *﴾ أي يعدون مع هذا الاجتهاد أنفسهم مذنبين ويسألون غفران ذنوبهم لوفور علمهم بالله وأنهم لا يقدرون على أن يقدروه حق قدره وإن اجتهدوا لقول سيد الخلق «لا أحصي ثناء عليك» وإبراز الضمير دال


الصفحة التالية
Icon