وقوة وفهماً ودراية، ثم استنتجوا عن هذا الإنكار الشديد قولهم مؤكدين الاستشعار بأن كلامهم أهل لأن يكذب: ﴿إنا إذاً﴾ أي إن اتبعناه ﴿لفي ضلال﴾ أي ذهاب عن الصواب محيط بنا ﴿وسعر *﴾ أي تكون عاقبتنا في ذلك الضلال الكون في أوائل أمر لا ندري عاقبته، فإنه لم يجرب ولم يختبر ولم يمعن أحد قبلنا سلفاً لنا فيجرنا ذلك إلى جنون وجوع ونار كما يكون من يأتوه في القفار في أنواع من الحر بتوقد حر الجبال وحر الضلال وحر الهموم والأوجال - وذلك من النار التي توعدنا بها، وهو معنى تفسير ابن عباس رضي الله عنهما له بالعذاب، وجعل سفيان بن عيينه له جمع سعير، والمعنى إنا نكون إذا اتبعناك كما تقول جامعين بين الضلال والعذاب بسائر أنواعه.
ولما كان فيما قالوه أعظم تكذيب مدلول على صحته في زعمهم بما أمؤوا إليه من كونه آدمياً مثلهم، وهو مع ذلك واحد من أحادهم فليس هو بأمثلهم وهو منفرد فلم يتأيد فكره بفكر غيره حتى يكون موضع الوثوق به، دلوا عليه بأمر آخر ساقوه أيضاً مساق الإنكار، وأموؤا بالإلقاء إلى أنه في إسراعه كأنه سقط من علو فقالوا: ﴿أألقي﴾ أي أنزل بغتة في سرعة لأنه لم يكن عندهم في مضمار هذا الشأن ولم يأتمروا فيه قبل إتيانه به شيء منه بل أتاهم به بغتة في غاية الإسراع. ولما كان الإلقاء يكون للأجسام غالباً، فكان لدفع هذا الوهم تقديم النائب عن الفاعل أولى بخلاف ما تقدم في ص فقالوا: ﴿الذكر﴾