ولم يبين ذلك كفار قريش عن شرادهم، ولا فتر من جحودهم وعنادهم، كان لسان حالهم قائلاً: إنا لا نخاف شيئاً من هذا، فكان الحال مقتضياً لأن يقال لهم إلزاماً بالحجة: ﴿أكفاركم﴾ الراسخون منكم في الكفر الثابتون عليه يا أيها المكذبون لهذا النبي الكريم الساترون لشموس دينه ﴿خير﴾ في الدنيا بالقوة والكثرة أو الدين عند الله أو عند الناس ﴿من أولائكم﴾ أي الكفار أي الكفار العظماء الجبابرة الأشداء الذين وعظناكم بهم في هذه السورة ليكون ذلك سبباً لافتراق حالهم منهم فيأمنوا العذاب مع جامع التكذيب وإن لم يكن لهم براءة من الله ﴿أم لكم﴾ أجمعين دونهم كفاركم وغير كفاركم ﴿براءة﴾ من العذاب من الله ﴿في الزبر *﴾ أي الكتب الآتية من عنده أأمنتم بها من العذاب مع أنهم خير منكم، فالآية من الاحتباك: أثبت الخيرية أولاً دليلاً على حذفها ثانياً، والبراءة ثانياً دليلاً على حذفها أولاً.
ولما بلغوا إلى هذا الحد من التمادي في الكفر مع المواعظ البالغة والاستعطاف المكين، استحقوا أعظم الغضب، فأعرض عنهم الخطاب إيذاناً بذلك وإهانة لهم واحتقاراً وإقبالاً على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسلية فقال عاطفاً على ما تقديره: أيدعون جهلاً ومكابرة شيئاً من هذين الأمرين: ﴿أم يقولون﴾ أي هؤلاء الذي أنت بين أظهرهم تعاملهم باللين في القال والقيل والصفح الجميل امتثالاً لأمرنا تعظيماً لقدرك فاستهانوا بك: ﴿نحن جميع﴾ أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له ﴿منتصر *﴾ أي على كل من


الصفحة التالية
Icon