هذا اللطف وعظيم هذا الحلم حتى يرادوا إلى بسط الدلالات وإيضاح البينات إن تعذر إليهم زيادة في البلاغ، فأنبأ تعالى أن هذا رحمة فقال ﴿الرحمن علم القرآن﴾ ثم إذا تأملت سورة القمر وجدت خطابها وإعذارها خاصاً ببني آدم بل بمشركي العرب منهم فقط، فاتبعت سورة القمر بسورة الرحمن تنبيهاً للثقلين وإعذاراً إليهم وتقريراً للجنسين على ما أودع سبحانه في العالم من العجائب والبراهين الساطعة فتكرر فيها التقرير والتنبيه بقوله تعالى: ﴿فبأيّ آلاء ربكما تكذبان﴾ خطاباً للجنسين وإعذاراً للثقلين فبان اتصالها بسورة القمر أشد البيان - انتهى.
ولما كان كأنه قيل: كيف علمه وهو صفة من صفاته ولمن علمه، قال مستأنفاً أو معللاً: ﴿خلق الإنسان *﴾ أي قدره وأوجده على هذا الشكل المعروف والتركيب الموصوف منفصلاً عن جميع الجمادات وأصله منها ثم عن سائر الناميات ثم عن غيره من الحيوانات، وجعله أصنافاً، وفصل بين كل قوم بلسانهم عمن عداهم وخلقه لهم دليل على خلقه لكل شيء موجود
﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ [القمر: ٤٩] والإنسان وإن كان اسم جنس لكن أحقهم بالإرادة بهذا أولهم وهو آدم عليه السلام، وإرادته - كما قال ابن عباس رضي الله عنهما - لا تمنع إرادة الجنس من حيث هو.


الصفحة التالية
Icon