ولما ذكر الواقعة وما يكون فيها للأصناف الثلاثة، وختم بها على وجه بين فيه حكمتها وكانوا ينكرونها، دل عليه بقوله: ﴿نحن﴾ أي لا غيرنا ﴿خلقناكم﴾ أي بما لنا من العظمة، ولعل هذا الخطاب للدهرية المعطلة من العرب. ولما كانوا منكرين للبعث عدوا منكرين للابتداء وإن كانوا من المخلصة بالمقريب بالخلق لأنهما لما بينهما من الملازمة لا انفكاك لأحدهما عن الآخر فقال: ﴿فلولا﴾ أي فتسبب عن ذلك أن يقال تهديداً ووعيداً: هلا ولم لا ﴿تصدقون *﴾ أي بالخلق الذي شاهدتموه ولا منازع لنا فيما فيه فتصدقوا بما لا يفرق بينه وبينه إلا بأن يكون أحق منه في مجاري عاداتكم، وهو الإعادة فتعملوا عمل العبيد لساداتهم ليكون حالكم حال مصدق بأنه مربوب.
ولما حضضهم على التصديق بالاستدلال بإيجادهم، وكان البعث إنما هو تحويلهم من صورة بالية إلى الصورة التي كانوا عليها من قبل، سبب عن تكذيبهم به مع تصديقهم بالخلق عدم النظر في تبديل الصور في تفاصيله، أو سبب عن قول من عساه يقول من أهل الطبائع: إنما خلقنا من نطفة حدثت بحرارة كامنة، فقال: ﴿أفرأيتم﴾ أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة أنا خلقناكم فيهديكم ذلك أنا نقدر على الإعادة كما قدرنا على البداءة فرأيتم ﴿ما تمنون *﴾ أي تريقون - من النطف التي هي مني في الأرحام بالجماع.
ولما كانت العبرة بالمسبب لا بالسبب، نبه على ذلك بتجديد الإنكار


الصفحة التالية
Icon