من التراب فإن أنكرتم هذا اللازم لزمكم إنكار ملزومه، وذلك مكابرة في الحس فليكن الآخر مثله، فثبت أنا إنما نعيد الخلائق إلى التراب لنجمعهم فيه ثم نبعثهم منه لنجازي كلاًّ بما يستحق ونقسمهم إلى أزواج ثلاثة ﴿فأما إن كان﴾ أي الميت منهم ﴿من المقربين *﴾ أي السابقين الذين اجتذبهم الحق من أنفسهم فقربهم منه فكانوا مرادين قبل أن يكونوا مريدين، وليس القرب قرب مكان لأنه تعالى منزهه عنه، وإنما هو بالتخلق بالصفات الشريفة على قدر الطاقة البشرية ليصير الإنسان روحاً خالصاً كالملائكة لا سبيل للحظوظ والشهوات عليه، فإن قربهم إنما هو بالانخلاع من الإرادة أصلاً ورأساً، وذلك أنه لا شهوات لهم فلا أغراض فلا فعل إلا أمروا به فلا إرادة، إنما الإرادة للمولى سبحانه وهو معنى ﴿وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾ [النحل: ٩٠] أي مطلق الإرادة في غير أمر من الله، لأن المملوك الذي هو لغيره لا ينبغي أن يكون له شيء لا إرادة ولا غيرها - وفقنا الله تعالى لذلك ﴿فروح﴾ أي فله راحة ورحمة ما ينعشه من نسيم الريح ومعنى قراءة يعقوب بالضم طمأنينة في القلب وسكينة وحياة لا موت بعدها ﴿وريحان﴾ أي رزق عظيم ونبات حسن بهج وأزاهير طيبة الرائحة.
ولما ذكر هذه اللذاذة، ذكر ما يجمعها وغيرها فقال: ﴿وجنات﴾ أي بستان جامع للفواكه والرياحين وما يكون عنها وتكون عنه.


الصفحة التالية
Icon