أن الدنيا عدم وإن كانت في غاية الكثرة والإقبال والمؤاتاة بخلاف ما مضى في الزمر فقال: ﴿حطاماً﴾ كأن الحطامية كانت في جبلته وأصل طبعه.
ولما ذكر الظل الزائل، ذكر أثره الثابت الدائم مقسماً له على قسمين، فقال عاطفاً على ما تقديره هذا حال الدنيا في سرعة زوالها وتحقق فنائها واضمحلالها: ﴿وفي﴾ أي هذا الذي غر من حال الدنيا وهو في ﴿الآخرة﴾ على أحدهما ﴿عذاب شديد﴾ أي لمن أخذها بغير حقها معرضاً عن ذكر الله لأن الاغترار بها سببه، فكان كأنه هو.
ولما قدم ما هو السبب الأغلب لأن أكثر الخلق هالك، أتبعه الصنف الناجي. فقال: ﴿ومغفرة﴾ أي لأهل الدرجة الأولى في الإيمان ﴿من الله﴾ أي الملك الأعظم لمن يذكر بما صنعه له في الدنيا عظمته سبحانه وجلاله فتاب من ذنوبه، ورجع إليه في التطهير من عيوبه ﴿ورضوان﴾ لأهل الدرجة العليا وهم من أقبل عليه سبحانه فشكره حق شكره ببذل وسعه فيما يرضيه، فآخر الآية تقسيم للدنيا على الحقيقة لئلا يظن من حصرها فيما ذكر أول الآية أنها لا تكون إلا كذلك، فالمعنى أن الذي ذكره أولاً هو الأغلب لأحوالها وعاقبته النار، وما كان منها من إيمان وطاعة ونظر توحيد لله وتعظيم ومعرفة تؤدي إلى


الصفحة التالية
Icon