أي يجاوز نطقه فمه في وقت من الأوقات لا في الحال ولا في الاستقبال، نطقاً ناشئاً ﴿عن الهوى﴾ أي من أمره كالكاهن الذين يغلب كذبهم صدقهم والشعراء وغيرهم، وما تقول هذا القرآن من عند نفسه. ولما أكد سبحانه في نفسه ذلك عند التأكيد تنزيهاً له عما نسب إليه، فكان ذلك مظنة السؤال عن أصل ما تقوله، أجاب بالحصر والآية أصرح وأدفع لإنكارهم البالغ فقال: ﴿إن﴾ أي ما ﴿هو﴾ أي الذي يتكلم به من القرآن وبيانه، وكل أقواله وأفعاله وأحواله بيانه ﴿إلا وحي﴾ أي من الله تعالى، وأكده بقوله: ﴿يوحى *﴾ أي يجدد إليه إيحاؤه منا وقتاً بعد وقت، ويجوز أن يجتهد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا استقر اجتهاده على شيء أوحي مع أن من يرد ما يجتهد فيه إلى ما أوحي إليه بريء من الهوي.
وقال أبو جعفر ابن الزبير في برهانه: لما قطع سبحانه تعليقهم بقوله: ساحر وشاعر ومجنون - إلى ما هو به مما علموا أنه لا يقوم على ساق، ولكن شأن المنقطع المبهوت أن يستريح إلى ما أمكنه وإن لم يغن عنه، أعقب الله سبحانه بقسمة على تنزيه نبيه وصفيه من خلقه عما تقوله وتوهمه الضعفاء فقال تعالى: ﴿والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى﴾ ثم أتبع سبحانه هذا القسم ببسط الحال في تقريبه عليه السلام وإدنائه وتلقيه لما يتلقاه من ربه وعظيم منزلته لديه، وفي إبداء ذلك يحركهم عزّ وجلّ ويذكرهم ويوبخهم على سوء نكاياتهم بلطف واستدعاء كريم


الصفحة التالية
Icon