ولما كان نزول هذه الآيات الماضية في الفتح الأعظم حين قصد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثمان المسير بجنود الله إلى مكة المشرفة - شرفها الله تعالى - لدخولها عليهم بالسيف حين نقضوا بقتالهم لخزاعة الذي كانوا قد تحيزوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا في عقده وعهده في صلح الحديبية الذي كان سنة ست على وضع الحرب بينهم وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن دخل في عقده، وكان من ذلك الصلح أن من جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش ومن دخل في صلحهم رده إليهم وإن كان مسلماً، ومن جاءهم من كان مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يردوه إليه بحيث قام من ذلك وقعد كثير من الصحابة رضي الله عنه من أعظمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى سكنه الصديق رضي الله تعالى عنه بما وقر في صدره من الحكم، ورد إليهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بصير رضي الله عنه، وكان رده إليهم للوفاء بالعهد بسبب التصديق لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أما من جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً» وقصته في ذلك كله مشهورة، وكانت «من» من صيغ العموم، وكانت دلالة العام قطعية في الحكم على الأفراد ظنية - كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه - في الدلالة على الجزئي من تلك الأفراد بخصوصه حيث لا قرينة