والحبور من الإبداع والإعدام، فهو أبلغ مما في الجمعة، فإن الملك قد يكون ملكاً في الصورة، وذلك الملك الذي هو ظاهر فيه لغيره، فداوم التسيبح الذي اقتضته عظمة الملك هنا أعظم من ذلك الدوام.
ولما أتبعه في الجمعة التنزيه عن النقص، أتبعه هنا الوصف بالكمال فقال: ﴿وله﴾ أي وحده ﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال كلها فلذلك ينزهه جميع مخلوقاته، فمن فهم تسبيحها فذلك المحسن، ومن كان في طبعه وفطرته الأولى بالفهم ثم ضيعه يوشك أن يرجع فيفهم، ومن لم يهيأ لذلك فذلك الضال الذي لا حيلة فيه ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿على كل شيء﴾ أيّ شيء ممكن أن يتعلق به المشيئة ﴿قدير *﴾ لأنه وحده بكل شيء مطلقاً عليم، لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الأشياء كلها على حد سواء وهذا واضح جداً، ولأن من عرف نفسه بالنقص عرف ربه بالكمال وقوة السلطان والجلال.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى: لما بسط في السورتين قبل من حال من حمل التوراة من بني إسرائيل ثم لم يحملها، وحال المنافقين المتظاهرين بالإسلام، وقلوبهم كفرا وعناداً متكاثفة الإظلام، وبين خروج الطائفتين عن سواء السبيل المستقيم، وتنكبهم عن هدى الدين القويم، وأوهم ذكر اتصافهم بمتحد أوصافهم خصوصهم في الكفر بوسم الانفراد وسماً ينبىء عن عظيم ذلك الإبعاد، سوى ما


الصفحة التالية
Icon