في جلالة النظم وإعجاز التركيب والوضع مع الموافقة لها في الدعوة إلى الله تعالى والبيان للمحاسن والمساوىء والدعاء إلى كل فلاح حتى صار نفس العجب، والعجب ما خرج عن حد أشكاله ونظائره فخفي سببه، وهذا يدل على قوتهم العلمية في فصاحتهم وكمالهم في علم الرسوم، وصوغ الكلام على أبلغ جهات النظوم.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم ذكر حال كفار قريش في تعاميهم عن النظر وجريهم في اللدد والعناد حسبما انطوت عليه سورة ن والقلم، ثم أتبعت بوعيدهم في الحاقة ثم بتحقيقه وقرب وقوعه في المعارج ثم بتسليته عليه الصلاة والسلام وتأنيسه بقصة نوح عليه الصلاة والسلام مع قومه، أعقب ذلك بما يتعظ به الموفق ويعلم أن القلوب بيد الله: فقد كانت استجابة معاندي قريش والعرب أقرب في ظاهر الأمر لنبي من جنسهم ومن أنفسهم فقد تقدمت لهم معرفة صدقه وأمانته، ثم جاءهم بكتاب بلسانهم الذي به يتحاورون ولغتهم التي بها يتكلمون، فقد بهرت العقول آياته، ووضحت لكل ذي قلب سليم براهينه ومعجزاته، وقد علموا أنهم لا يقدرون على معارضته إلى ما شاهدوه من عظيم البراهين، ومع ذلك عموا وصموا - غضب الله عليهم ولعنهم - وسبق إلى الإيمان من ليس من جنسهم ولا سبقت


الصفحة التالية
Icon