﴿بالظالمين *﴾ تعميماً وتعليقاً بالوصف لا بالذات، فالمعنى أنه عالم بأصحاب هذا الوصف الراسخين فيه منهم ومن غيرهم فهو يجازيهم على ظلمهم وهم يعلمون ذلك، وأعظم مصدق الله - ومن أصدق من الله قيلاً - في هذا أنهم ما قوتلوا قط إلا أرزوا إلى حصونهم وقراهم كما مر في سورة الحشر، فدل ذلك على أنهم أحرص على الحياة الدنيا من الذين أشركوا كما مر في سورة البقرة فإنهم عالمون بأنهم يصيرون إلى النار، والعرب يظنون أنهم لا يبعثون فهم لا يخافون ما بعد الموت وهم شجعان يقدمون على الموت كما قال عنترة بن شداد العبسي:

بكرت تخوفني المنون كأنني أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتها أن المنية منهل لا بد أن أسقى بذاك المنهل
فافني حياك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
ولما كان عدم تمنيهم علم من أعلام نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لموافقته ما أخبر به، وكان ذلك فعل من يعتقد أن التمني يقدمه عن أجله وعدمه يؤخره، فصاروا بين التكذيب بما عندهم ونهاية البلادة، أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنبيههم على بلادتهم تبكيتاً لهم فقال: ﴿قل﴾ وأكد إعلاماً لهم بأنه يلزم من فعلهم هذا إنكار الموت الذي لا ينكره


الصفحة التالية
Icon