بقوله ﴿وتولى *﴾ أي كلف نفسه الإعراض عنه رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم فيتأيد بهم الإسلام ويسلم بإسلامهم أتباعهم فتعلو كلمة الله لأجل ﴿أن جاءه الأعمى *﴾ الذي ينبغي أن يبالغ في العطف عليه وفي إكرامه جبراً لكسره واعترافاً بحقه في مجيئه، وذكره بالوصف للإشعار بعذره في الإقدام على قطع الكلام والبعث على الرأفة به والرحمة له، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إذا رآه بعد ذلك قال: «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي» واستخلفه على المدينة الشريفة عند غزوه مرتين، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ورأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء رضي الله عنه.
ولما عرف بسياق الغيبة ما أريد من الإجلال، وكان طول الإعراض موجباً للانقباض، أقبل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ﴿وما يدريك﴾ أي وأي شيء يجعلك دارياً بحاله وإن اجتهدت في ذلك فإن ذوات الصدور لا يعلمها إلا الله تعالى ﴿لعله﴾ أي الأعمى ﴿يزكى﴾ أي يكون بحيث يرجى تطهره ونمو أحواله الصالحة بما يسمع منك ولو على أدنى الوجوه بما يشير إليه إدغام تاء الافتعال، وكذا قوله: ﴿أو يذكر﴾ أي أو يقع منه التذكر لشيء يكون سبباً لزكائه وتذكره ولو كان ذلك منه


الصفحة التالية
Icon