الأحوال للنور والظلمة - وهي ضوء ممتزج بظلمة، وظلمة ممتزجة بضوء، وضياء خالص وظلام خالص - الحاصلة في الآفاق في الإنسان مثلها، فروحه نور خالص، وطبعه ظلام حالك، وقلبه نور ممتزج بظلمة النفس، والنفس ظلمة ممتزجة بنور القلب، فإن قويت شهوة النفس على نورانية القلب أظلم جميعه، وإن قويت نورانية القلب على ظلمة النفس صار نورانياً، وإن غلبت الروح على الطبع تروحن فارتفع عن رتبة الملائكة، وإن غلب الطبع على الروح أنزله عن رتبة البهائم كما قال تعالى: ﴿إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً﴾ [الأعراف: ١٧٩].
ولما أقسم بهذا القسم المناسب لحاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أجابه بقوله تعالى: ﴿ما ودعك﴾ أي تركك تركاً يحصل به فرقة كفرقة المودع ولو على أحسن الوجوه الذي هو مراد المودع ﴿ربك﴾ أي الذي أحسن إليك بإيجادك أولاً، وجعلك أكمل الخلق ثانياً، ورباك أحسن تربية ثالثاً، كما أنه لا يمكن توديع الليل للنهار بل الضحى للنهار الذي هو أشد ضيائه، ولا يمكن توديع الضحى للنهار ولا الليل وقت سجوه له.
ولما كان ربما تعنت متعنت فقال: ما تركه ولكنه لا يحبه، فكم


الصفحة التالية
Icon