ولما حكم بهذا الرد على جميع النوع إشارة إلى كثرة المتصف به منهم، وكان الصالح قليلاً جداً، جعله محط الاستثناء فقال: ﴿إلا الذين آمنوا﴾ أي بالله ورسله فكانوا من ذوي البصائر والمعارف، فغلبنا بلطفنا عقولهم بما دعت إليه وأعانت عليه الفطرة الأولى على شهواتهم، وحميناهم من أرذل العمر، فكانوا كلما زدناهم سناً زدنا أنوار عقولهم ونقصنا نار شهواتهم بما أضعفنا من إحكام طبائعهم وتعلقهم بهذا العالم، وأحكمنا من مدارك أنوار الحق وإشراقاته منهم، وأعظمنا من قوى أرواحهم.
ولما كان الإنسان قد يدعي الإيمان كاذباً قال: ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ أي من محاسن الأعمال من الأقوال والأفعال ثابتة الأركان على أساس الإيمان، محكمة بما آتيناهم من العلم غاية الإحكام، متقنة غاية الإتقان، فإنا حفظناهم - وقليل ما هم - بما كملناهم به وشرفناهم على جميع الحيوانات وسائر من سواهم فلم نمكن منهم الشهوات ولا غيرها، وأقمناهم على ما اقتضاه منهاج العقل، فتبعوا الرسل بسبب إبقائنا لهم على الفطرة الأولى في أحسن تقويم، لم يدنس محياها بشهوة ولا حظ ولا هوى، فسهل انقيادهم، فأداهم ذلك إلى العدل


الصفحة التالية
Icon