وقال بعض العارفين في كشف معنى الأحد ورتبته: إن الذات الأعظم غيب محض والأحد أول تعيناتها، ولذلك بدىء بالهمزة التي هي أول تعينات الألف التي هي لهيب محض وذلك سر مخالفتها للأحرف في أن كل حرف يدل على مسماه أول حروف اسمه إلا الألف لكونها غيباً، فكان أول اسمها الهمزة التي هي أول تعيناتها، والهمزة لكونها مرقى إلى غيب الألف كان أول اسمها أيضاً غير دال على مسماها.
ثم بعد التعيين بالأحدية الشاملة المستغرقة يتنزل إلى الإلهية ثم منها إلى الواحدية، ولذلك ابتدىء الواحد بالواو التي هي وصلة إلى ما فيه من الألف الذي هو غيب، فإن الواحد مرقى إلى فهم الإله، والإله مرقى إلى تعقل الأحد، والأحد مرقى إلى التعبد للذات الأقدس الأنزه، ومن اعتقد أحديته سبحانه وتعالى، أنتج له ذلك حبه وتعظيمه، وهو توحيد الألوهية لأن التفرد بذلك يقتضي الكمال والجمال - والله الموفق.
قال الإمام جعفر بن الزبير: لما انقضى مقصود الكتاب العزيز بجملته عاد الأمر إلى ما كان، وأشعر العالم بحالهم من ترددهم بين عدمين ﴿ثم الله ينشىء النشأة الآخرة﴾ [العنكبوت: ٢٠] فوجودهم منه سبحانه وتعالى وبقاؤهم به وهم وجميع ما يصدر عنهم من أقوالهم وأفعالهم