﴿إذا يغشاها *﴾ أي يغطي الشمس فيذهب ضوءها حين تغيب فتمتد ظلال الأرض على وجهها المماس لنا، فيأخذ الأفق الشرقي في الإظلام، ويمتد ذلك الظلام بحسب طول الليل وقصره كما يغطي البدن نور العقل بواسطة طبعه بخبثه ورداءة عنصره، وذلك كله بمقادير معلومة، وموازين قسط محتومة، ليس فيها اختلال، ولا يعتريها انحلال، حتى يريد ذو الجلال، ولم يعبر بالماضي كما في النهار لأن الليل لا يذهب الضياء بمرة بل شيئاً فشيئاً، ولا ينفك عن نور بخلاف النهار، فإنه إذا أبدى الشمس ولم يكن غيم ولا كدر جلى الشمس في آن واحد، فلم يبق معه ظلام بوجه.
ولما ذكر الآيتين ومحل أثرهما، ذكر محل الكل فقال تعالى: ﴿والسماء﴾ أي التي هي محل ذلك كله ومجلاه كما أن الأبدان محل النفوس، والنفوس مركب العقول، ولما رقى الأفكار من أعظم المحسوسات المماسة إلى ما هو دونه في الحس وفوقه في الاحتياج إلى إعمال فكر، رقي إلى الباطن الأعلى المقصود بالذات وهو المبدع لذلك كله معبراً عنه بأداة ما لا يعقل، مع الدلالة بنفس الإقسام، على أن له العلم التام، والإحاطة الكبرى بالحكمة البالغة، تنبيهاً على أنهم وصفوه بالإشراك