فيها تفصيل وجوه الحكم العلية التي تضمن جملة ذكرها الآية الجامعة في سورة البقرة في قوله سبحانه وتعالى ﴿يؤتي الحكمة من يشاء﴾ [البقرة: ٢٦٩] فكان من جملة بناء الحكمة ما هو السبب في ظهور الكفر من الذين كفروا بما غلب عليهم من الفتنة بأموالهم وأولادهم حتى ألهتهم عن ذكر الله، فانتهوا فيه إلى حد الكفر الذي نبه عليه ﴿الذين آمنوا﴾ في قوله سبحانه وتعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾ [المنافقون: ٩] انتهى.
ولما كان السبب المقتضي لاستمرارالكفر من النصارى المجادلين في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام الخوف ممن فوقهم من ملوك النصرانية نبههم سبحانه وتعالى على أول قصة أسلافهم من بني إسرائيل، وما كانوا فيه من الذل مع آل فرعون، وما كان فيه فرعون من العظمة التي تُقسر بها ملوك زمانهم، ثم لما أراد الله سبحانه وتعالى قهر أسلافهم له لم تضرهم ذلتهم ولا قلتهم، ولا نفعته عزته ولا كثرة آله، فلذلك صرح بهم سبحانه وتعالى وطوى ذكر من قبلهم فقال: ﴿كدأب﴾ أي لم يغن عنهم ذلك شيئاً مثل عادة ﴿آل فرعون﴾ أي الذين اشتهر لديكم استكبارهم وعظمتهم وفخارهم، قال الحرالي:


الصفحة التالية
Icon