ولما كان التقدير: فإن أنفقتم منه علمه الله سبحانه وتعالى فأنالكم به البر، وإن تيممتم الخبيث الذي تكرهونه فأنفقتموه لم تبروا، وكان كل من المحبة والكراهة أمراً خفياً، قال سبحانه وتعالى مرغماً مرهباً: ﴿وما تنفقوا من شيء﴾ أي من المحبوب وغيره ﴿فإن الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة. وقدم الجار اهتماماً به إظهاراً لأنه يعلمه من جميع وجوهه ما تقول لمن سألك - هل تعلم كذا: لا أعلم إلا هو، فقال: ﴿به عليم *﴾ فهذا كما ترى احتباك.
ولما أخبر بذلك بين أنه كان ديدن أهل الكمال على وجه يقرر به ما مضى من الإخبار بعظيم اجتراء أهل الكتاب على الكذب بأمر حسّي فقال تعالى: ﴿كل الطعام﴾ أي من الشحوم مطلقاً وغيرها ﴿كان حلاًّ لبني إسرائيل﴾ أي أكله - كما كان حلاًّ لمن قبلهم على أصل الإباحة ﴿إلا ما حرم إسرائيل﴾ تبرراً وتطوعاً ﴿على نفسه﴾ وخصه بالذكر استجلاباً لبنيه إلى ما يرفعهم بعد اجتذابهم للمؤمنين إلى ما يضرهم ولا ينفعهم. ولما كانوا بما أغرقوا فيه من الكذب ربما قالوا: إنما حرم ذلك اتباعاً لحكم التوراة قال:


الصفحة التالية
Icon