﴿من قبل﴾ وأثبت الجار لأن تحريمه كان في بعض ذلك الزمان، لا مستغرقاً له. وعبر بالمضارع لأنه أدل على التجدد فقال: ﴿أن تنزل التوراة﴾ وكان قد ترك لحوم الإبل وألبانها وكانت أحب الأطعمة إليه لله وإيثاراً لعباده - كما تقدم ذلك في البقرة عند ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ [البقرة: ٨٩].
ولما كانت هذه الآية إلزاماً لليهود باعتقاد النسخ الذي طعنوا به في هذا الدين في أمر القبلة، وكانوا ينكرونه ليصير عذراً لهم في التخلف عن اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم، فكانوا يقولون: لم تزل الشحوم وما ذكر معها حراماً على من قبلنا كما كانت حراماً علينا، فأمر بجوابهم بأن قال: ﴿قل﴾ أي لليهود ﴿فأتوا بالتوارة فاتلوها﴾ أي لتدل لكم ﴿إن كنتم صادقين *﴾ فيما ادعيتموه، فلم يأتلوا بها فبان كذبهم فافتضحوا فضيحة لا مثل لها في الدنيا ﴿فمن﴾ أي فتسبب عن ذلك أنه من ﴿افترى﴾ أي تعمد ﴿على الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿الكذب﴾ أي في أمر المطاعم أو غيرها.
ولما كان المراد النهي عن إيقاع الكذب في أي زمن كان، لا عن إيقاعه في جميع الزمان الذي بعد نزول الآية أثبت الجار فقال: ﴿من بعد ذلك﴾ أي البيان العظيم الظاهر جداً ﴿فأولئك﴾ أي الأباعد الأباغض ﴿هم﴾ خاصة