﴿ما منعك﴾ ولما كانت هذه العبارة قد صرحت بعدم سجوده، فكان المعنى لا يلبس بإدخال «لا» في قوله: ﴿ألا تسجد﴾ أتى بها لتفيد التأكيد بالدلالة على اللوم على الامتناع من الفعل والإقدام على الترك، فيكون كأنه قيل: ما منعك من السجود وحملك على تركه ﴿إذ﴾ أي حين ﴿أمرتك﴾ أي حين حضر الوقت الذي يكون فيه أداء المأمور به ﴿قال﴾ أي إبليس ناسباً ربه سبحانه إلى الجور أو عدم العلم بالحق ﴿أنا خير منه﴾ أي فلا يليق لي السجود لمن هو دوني ولا أمري بذلك لأنه مناف للحكمة؛ ثم بين وجه الخيرية التي تصورها بسوء فهمه أو بما قاده إليه سوء طبعه بقوله: ﴿خلقتني من نار﴾ أي فهي أغلب أجزائي وهي مشرفة مضيئة عالية غالبة ﴿وخلقته من طين*﴾ أي هو أغلب أجزائه وهو كدر مظلم سافل مغلوب، وقد غلط غلطاً فاحشاً فإن الإيجاد خير من الإعدام بلا نزاع، والنار سبب الإعدام والمحق لما خالطته، والطين سبب النماء والتربية لما خالطه، هذا لو كان الأمر في الفضل باعتبار العناصر والمبادىء وليس كذلك، بل هو باعتبار الغايات.
ولما كان هذا أمراً ظاهراً، وكان مجرد التكبر على الله كفراً على أيّ وجه كان، أعرض عن جوابه بغير الطرد الذي معناه نزوله المنزلة الذي موضع ما طلب من علوها فاستأنف قوله ﴿قال﴾ مسبباً عن إبائه قوله: ﴿فاهبط منها﴾ مضمراً للدار التي كان فيها وهي