ولما ذكر المصدق، أتبعه المكذب فقال ﴿والذين كذبوا بآياتنا﴾ أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا؛ ولما كان التكذيب قد يكون عن شبهة أو نوع من العذر، نفى ذلك بقوله: ﴿واستكبروا عنها﴾ أي أوجدوا الكبر إيجاد من هو طالب له عظيم الرغبة فيه، متجاوزين عنها إلى أضداد ما دعت إليه.
ولما ذلك ليس سبباً حقيقياً للتعذيب، وإنما هو كاشف عمن ذرأه الله لجهنم لإقامة الحجة عليه، أعري عن الفاء قوله: ﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿أصحاب النار﴾ ولما كان صاحب الشيء هو الملازم له المعروف به، قال مصرحاً بذلك: ﴿هم﴾ أي خاصة ليخرج العاصي من غير تكذيب ولا استكبار ﴿فيها﴾ أي النار خاصة، وهي تصدق بكل طبقة من طبقاتها ﴿خالدون*﴾ فقد تبين أن إثبات الفاء أولاً للترغيب في الاتباع، وتركها ثانياً للترهيب من شكاسة الطباع، فالمقام في الموضعين خطر، ولعل من فوائده الإشارة إلى أنه إذا بعث رسول وجب على كل من سمع به أن يقصده لتحرير أمره، فإذا بان له صدقه تبعه، وإن تخلف عن ذلك كان مكذباً - الله الموفق.
ولما كان تكذيب الرسل تارة يكون بشرع شيء لم يشرعوه،


الصفحة التالية
Icon