إيمانهم أعظم الإيمان.
ولما فرغ من العاطفة بمحاسن الأعمال، شرع في العاطفة بالأنساب والأموال، وقدم الأول إشارة إلى أن المجانسة في الأفعال مقدمة على جميع الأحوال، ولما كان محط الموالاة المناصرة، وكانت النصرة بالآباء والإخوان أعظم من النصرة بغيرهم، لأن مرجعها إلى كثرة الأعوان والأخدان، اقتصر عليها فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أقروا بألسنتهم بالإيمان بربهم معرضين عما سواه من الأنداد الظاهرة! صدقوا ادعاءكم ذلك بأن ﴿لا تتخذوا﴾ أي تتعمدوا وتتكلفوا أن تأخذوا ﴿آباءكم وإخوانكم أولياء﴾ أي على ما يدعو إليه الطباع وتقوية الأطماع فتلقوا إليهم أسراركم وتؤثروا رضاهم والمقام عندهم ﴿إن استحبوا﴾ أي طلبوا وأوجدوا أن أحبوا ﴿الكفر﴾ وهو تغطية الحق والتكذيب ﴿على الإيمان﴾ نبه بصيغة الاستفعال على أن الإيمان لكثرة محاسنه وظهور دلائله معشوق بالطبع، فلا يتركه أحد إلا بنوع معالجة ومكابرة لعقله ومجاهدة.
ولما كان أعز الأشياء الدين، وكان لا ينال إلا بالهداية، وكان قد تقدم سلبها عن الظالم، ورهبهم من انتزاعه بقوله: ﴿ومن يتولهم﴾ أي يتكلف أن يفعل في أمرهم ما يفعل القريب مع قريبه ﴿منكم﴾ أي بعد ما أعلمكم الله في أمرهم مما أعلم ﴿فأولئك﴾ أي المبعدون عن الحضرات الربانية ﴿هم الظالمون*﴾ أي لوضعهم الموالاة في غير موضعها