بعد أن تقدم إليهم سبحانه بمثل هذه الزواجر، وهذا رجوع بالاحتراس إلى ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ [الأنفال: ٧٥]- الآية الوالية لبيان المؤمنين حقاً وإشارة إلى أنه يضلهم ولا يهديهم لما تقدم من الخبر بأنه لا يهدي الظالمين.
ولما كانت الأنفس مختلفة الهمم متباينة السجايا والشيم، كان هذا غير كافٍ في التهديد لكلها، فأتبعه تهديداً أشد منه بالنسبة إلى تلك النفوس فقال منتقلاً من أسلوب الإقبال إلى مقام الإعراض المؤذن بزواجر الغضب: ﴿قل﴾ أي يا أعظم الخلق شفقة ورفقاً ونصيحة لمن لم يُزعمه ما تقدم من الزواجر أنه يجب تحمل جميع هذه المضار في الدنيا ليبقى الدين سالماً ولا ينثلم ﴿إن كان آباؤكم﴾ أي الذين أنتم أشد شيء توقيراً لهم ﴿وأبناؤكم﴾ أي الذين هم أعز الناس لديكم وأحبهم إليكم ﴿وإخوانكم﴾ أي الذين هم من أصولكم فهم كأنفسكم ﴿وأزواجكم﴾ أي اللاتي هن سكن لكم ﴿وعشيرتكم﴾ أي التي بها تمام الراحة وقيام العز والمنعة وهم أهل الإنسان الأدنون الذين يعاشرونه.
ولما قدم سبحانه ما هو مقدم على المال عند أولي الهمم العوال قال: ﴿وأموال اقترفتموها﴾ أي اكتسبتموها بالمعالجة من الأسفار