غلب عليه الشقاء فلم ينتفع بالمواعظ، فالتفت من لطف الإقبال إلى تبكيت المتثاقلين بأسلوب الإعراض المؤذن الغضب المحقق للسخط المبين لفضائحهم المبعثر لقبائحهم المخرج لهم ما دخلوا فيه من عموم الدعاء باسم الإيمان فقال: ﴿لو كان﴾ أي ما تدعوا إليه ﴿عرضاً﴾ أي متاعاً دنيوياً ﴿قريباً﴾ أي سهل التناول ﴿وسفراً قاصداً﴾ أي وسطاً عدلاً مقارباً ﴿لا تبعوك﴾ أي لأجل رجاء العرض مع سهولة السفر لأن هممهم قاصرة ومنوطة بالحاضر ﴿ولكن﴾ أي لم يتبعوك تثاقلاً إلى الأرض ورضى بالفاني الحاضر من الباقي الغائب لأنها ﴿بعدت عليهم الشقة﴾ أي المسافة التي تطوى بذرع الأرجل بالمسير فيحصل بها النكال والمشقة فلم يواز ما يحصل لهم بها من التعب ما يرجونه من العرض، فاستأذنوك، وفي هذا إشارة إلى ذمهم بسفول الهمم ودناءة الشيم بالعجز والكسل والنهم والثقل، وإلى أن هذا الدين متين لا يحمله إلا ماضي الهم صادق العزم كما قال الشاعر:

إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمه وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
فلله در أولي العزائم والصبر على الشدائد والمغارم! ولما ذمهم بالشح بالدنيا، أتبعه وصمهم بالسماح بالدين فقال مخبراً عما سيكون منهم علماً من أعلام النبوة: ﴿وسيحلفون﴾ أي المتخلفون باخبار محقق لا خلف فيه ﴿بالله﴾ أي الذي لا أعظم منه عند رجوعكم إليهم جمعاً إلى ما انتهكوا من حرمتك بالتخلف عنك لانتهاك حرمة الله


الصفحة التالية
Icon