بالكذب قائلين: والله ﴿لو استطعنا﴾ أي الخروج إلى ما دعوتمونا إليه ﴿لخرجنا معكم﴾ يحلفون حال كونهم ﴿يهلكون أنفسهم﴾ أي بهذا الحلف الذي يريدون به حياتها لأنهم كذبوا فيه فانتهكوا حرمة اسم الله ﴿والله﴾ أي والحال أن الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة سبحانه ﴿يعلم إنهم لكاذبون*﴾ فقد جمعوا بين إهلاك أنفسهم والفضيحة عند الله بعلمه بكذبهم في انهم غير مستطيعين، وجزاء الكاذب في مثل ذلك الغضب المؤيد الموجب للعذاب الدائم المخلد.
ولما بكتهم على وجه الإعراض لأجل التخلف والحلف عليه كاذباً، أقبل إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعتاب فبي لذيذ الخطاب على الاسترسال في اللين لهم والائتلاف وأخذ العفو وترك الخلاف إلى هذا الحد، فقال مؤذناً بأنهم ما تخلفوا إلا بإذنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأعذار ادعوها كاذبين فيها كما كذبوا في هذا الحلف، مقدماً للدعاء على العتاب لشدة الاعتناء بشأنه واللطف به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿عفا الله﴾ أي ذو الجلال والإكرام ﴿عنك﴾ وهذا كما كانت عادة العرب في مخاطبتهم لأكابرهم بأن يقولوا: أصلح الله الأمير، والملك - ونحو ذلك.
ولما كان من المعلوم أنه لا يأذن إلا لما يرى أنه يرضي الله من تألفهم ونحوه، بين أنه سبحانه يرضى منه ترك الإذن فقال كناية عن ذلك: ﴿لم أذنت لهم﴾ أي في التخلف عنك تمسكاً بما تقدم من الأمر باللين لهم والصفح عنهم موافقاً لما جبلت عليه من محبة الرفق، وهذا إنما


الصفحة التالية
Icon