وتعليمه إنما مورده أهل هذا السن، كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا سمعت الله عز وجل يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فأعرها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهي عنه، وكما أن ما يخص البالغ العاقل من الخطاب لا يدخل فيه الصبي المميز، وما يخص المميز لا يدخل فيه البالغ، كذلك خطاب ﴿الذين آمنوا﴾ لم يصل إليه الناس بعد، وخطاب الناس قد جاوزه ﴿الذين آمنوا﴾ لأنهم قد انزجروا بما قبلت قلوبهم عما ينزجر عنه الناس، وقد ائتمروا بما يأتمر به الناس؛ وهذه الأسنان الخالية عند أولي البصائر، وخاص خطابها أشد ظهوراً من أسنان الأبدان عند أصحاب الأبصار، وعدم التبصرة بهذه المراتب في الأحوال والبيان هي أقفال القلوب المانعة من تدبر القرآن، وكذلك ما فوق سن «الذين آمنوا» من سن ﴿الذين يؤمنون﴾ وهم في أول حد القرب منزلة بلوغ الأشد، وسن ﴿الذين آمنوا﴾ و ﴿الناس﴾ في مدد حد البعد ولذلك يخاطبون بحرف «يا» المرسلة إلى حد البعد:
﴿يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله﴾ [الصف: ١٠] وفوق ذلك سن المؤمنين وأدنى قرباً، ولذلك لم يرد في القرآن في خطابهم ﴿يا﴾ البعد، وهذا السن بمنزلة الاكتهال وسن الشيب، وتمام سنهم ﴿المؤمنون حقاً﴾ وكذلك إلى سن ﴿المحسنين﴾ إلى غيب سن ﴿الموقنين﴾ إلى ما وراء ذلك، فإن أسنان الجسم أرابيع،