ولما كان حذرهم مع العمل ينافيه من كلام النفاق فعل المستهزىء، قال مهدداً: ﴿قل استهزءوا﴾ أي افعلوا فعل المستهزىء بغاية الرغبة ﴿إن الله﴾ أي المحيط بكمال العلم وتمام القدرة ﴿مخرج﴾ أي كانت له وصف إخراجه ﴿ما تحذرون*﴾ أي إخراجه من قبائحكم؛ وعن الحسن: كان المسلمون يسمون هذه السورة الحفارة، حفرت ما في قلوب المنافقين وأظهرته.
ولما وصفهم بالنفاق، حققه بعدم مبادرتهم إلى التوبة التي هي فعل المؤمنين، وباجترائهم على الإنكار مع كون السائل لهم مَنْ بلغ الغاية في الجلال والوقار والكمال فقال: ﴿ولئن سألتهم﴾ أي وأنت من يجب أن يصدقه مسؤوله عما أخرجت السورة مما أظهروا بينهم من الكفر، وذلك حين قال بعضهم: انظروا إلى هذا الرجل يظن أنه يفتح قصور الشام وحصونها! هيهات هيهات! فأعلمه الله فقال: احبسوا عليّ الركب.
فسألهم ﴿ليقولن إنما﴾ أي ما قلنا شيئاً من ذلك، إنما ﴿كنا نخوض﴾ أي نتحدث على غير نظام ﴿ونلعب﴾ أي بما لا خرج علينا فيه ويحمل عنا ثقل الطريق، فكأنه قيل: فماذا يقال لهم إذا حلفوا على ذلك على العادة؟ فقال: ﴿قل﴾ أي لهم تقريراً على استهزائهم متوعداً لهم معرضاً عما اعتذروا إعلاماً بأنه غير أهل لأن يسمع جاعلاً لهم كأنهم معترفون بالاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير، وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته تكذيباً لهم


الصفحة التالية
Icon