عظيم شأن العهد بتعظيم الجزاء على خيانته بقوله: ﴿فأعقبهم﴾ أي الله أو التمادي على البخل جزاء على ذلك ﴿نفاقاً﴾ متمكناً ﴿في قلوبهم﴾ أي بأن لا يزالوا يقولون ما لا يفعلون ﴿إلى يوم يلقونه﴾ أي بالموت عند فوت الفوت ﴿بما أخلفوا الله﴾ أي وهو الملك الأعظم ﴿ما وعدوه﴾ لأن الجزاء من جنس العمل؛ ولما كان إخلاف الوعد شديد القباحة، وكان مرتكبه غير متحاش من مطلق الكذب، قال: ﴿وبما كانوا يكذبون*﴾ أي يجددون الكذب دائماً مع الوعدد ومنفكاً عنه، فقد استكملوا النفاق: عاهدوا فغدروا ووعدوا فأخلفوا وحدثوا فكذبوا.
ولما كانت المعاهدة سبباً للإغناء في الظاهر، وكان ذلك ربما كان مظنة لأن يتوهم من لا علم له أن ذلك لخفاء أمر البواطن عليه سبحانه، وكان الحكم هنا وارداً على القلب بالنفاق الذي هو أقبح الأخلاق مع عدم القدرة لصاحبه على التخلص منه، كان ذلك أدل دليل على أنه تعالى أعلم بما في كل قلب من صاحب ذلك القلب، فعقب ذلك بالإنكار على من لا يعلم ذلك والتوبيخ له والتقريع فقال: ﴿ألم يعلموا أن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يعلم سرهم﴾ وهو ما أخفته صدورهم ﴿ونجواهم﴾ أي ما فاوض فيه بعضهم بعضاً، لا يخفى عليه شيء منه ﴿وأن الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة ﴿علام الغيوب*﴾