ثم بين أن ما هم فيه من الإمهال إنما هو متاع الدنيا وأنها دار زوال فقال تعالى: ﴿يا أيها الناس﴾ أي الذي غلب عليهم وصف الاضطراب ﴿إنما بغيكم﴾ أي كل بغي يكون منكم ﴿على أنفسكم﴾ لعود الوبال عليها خاصة وهو على تقدير انتفاعكم به عرض زائل ﴿متاع الحياة الدنيا﴾ ثم يبقى عاره وخزيه بعد الموت ﴿ثم إلينا﴾ أي خاصة ﴿مرجعكم﴾ بعد البعث ﴿فننبئكم﴾ على ما لنا من العظمة إنباء عظيماً ﴿بما كنتم﴾ أي كوناً هو كالجبلة ﴿تعملون*﴾ ونجازيكم عليه.
ولما كان السياق لإثبات البعث وتخويفهم به وكانوا ينكرونه ويعتقدون بقاء الدنيا وأنها إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلغ دائماً بلا انقضاء فهي دار يرضى بها فيطمئن إليها، وللتنفير من البغي والتعزز بغير الحق، وكانت الأمثال أجلى لمحال الأشكال، قال تعالى ممثلاً لمتاعها قاصراً أمرها على الفناء رداً عليهم في اعتقاد دوامها من غير بعث: ﴿إنما﴾ فهو قصر قلب ﴿مثل الحياة الدنيا﴾ التي تتنافسون فيها في سرعة انقضائها وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله ﴿كماء أنزلناه﴾ أي بما لنا من العظمة وحقق أمره وبينه بقوله: ﴿من السماء﴾ فشبهه بأمر النبات وأنه قليل يبلغ منتهاه فتصبح الأرض منه بلاقع بعد ذلك الاخضرار والينوع، وفي ذلك إشارة إلى البعث وإلى أنه تعالى قادر على ضربة قبل نهايته أو بعدها


الصفحة التالية
Icon