ما كنتم إيانا} وحدنا ﴿تعبدون﴾ أي ما كنتم تخلصون لنا العبادة حتى يلزمنا أن نخلصكم كما أعلمنا بذلك الله ربنا وربكم المحيط بكل شيء علماً ﴿فكفى﴾ أي فتسبب عن ذلك أنه كفى ﴿بالله شهيداً بيننا وبينكم﴾ في ذلك، فكأن المشركين قالوا: قد تضمن كلامكم أن عبدناكم على غير منهج الإخلاص، أفليس قد عبدناكم؟ أفلا تغنون عنا شيئاً؟ فأجاب الشركاء بقولهم: ﴿إن كنا عن عبادتكم﴾ خالصة كانت أو مشوبة ﴿لغافلين﴾ فلا نقر لكم بعبادة أصلاً وإن تيقنا الإخلاص لسلب العلم عنا بما كنا فيه من الجمادية فضلاً عن أن نأمركم أو نرضى بعبادتكم على أنه لا غناء عندنا على تقدير من التقادير؛ أو يقال - وهو أحسن مما مضى -: ﴿وقال شركاؤهم﴾ لما تحققوا العذاب طلباً لأن يخفف عنهم منه بتوزيعه عليهم وعلى كل من عبدوه من غيرهم ﴿ما كنتم﴾ أيها العابدون لنا ﴿إيانا﴾ أي خاصة ﴿تعبدون﴾ بل كنتم تعبدون أيضاً غيرنا، وهذا يعم والله كل من يرائيه غيره بعمل وهو يعلم أنه يرائيه فيقره ولا ينكره عليه؛ ولما أفهموا بنفي العبادة بقيد الخصوص أنهم كانوا يعبدون معهم غيرهم، وكان المخلوق قاصر العلم غير محيطه بوجه بأحوال نفسه فكيف يعبدون بأحوال غيره، سببوا عن ذلك قولهم: ﴿فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن﴾ أي في أنا ﴿كنا عن عبادتكم﴾ أي في الجملة ﴿لغافلين﴾ والحاصل أن هذا ترجمة كلام الكفار وهو ناشىء منهم عن محض غلبة ودهش وفرط غم وندم وقلق،


الصفحة التالية
Icon