ولما كان من الجائز أن يمكن الله من يشاء من خزائن الأرزاق ونحوها فيسوغ له أن يطلق ملك ذلك مجازاً، ولا يجوز أن يمكنه من علم الغيب، وهو ما غاب عن الخلق كلهم، لأنه خاصته سبحانه، قال عاطفاً على ﴿أقول﴾ لا على المقول: ﴿ولا أعلم الغيب﴾ لا حقيقة ولا مجازاً فأعلم وقت ما توعدون به أو ما في قلوب المؤمنين مما قد يتوهم به من السوء، وأعلمهم أنه لا مانع من إرسال البشر بقوله: ﴿ولا أقول إني ملك﴾ فتكون قوتي أفضل من قوتكم أو خلقي أعظم قدراً من خلقكم ونحو ذلك من الفضل الصوري الذي جعلتموه هو الفضل، فلا تكون الآية دليلاً على أفضلية الملائكة، وتقدم في الأنعام سر إسقاطه ﴿لكم﴾.
ولما كان تعريضهم بنفي الملكية عنه من باب الإزراء، أتبعه تأكيد قبوله لمن آمن كائناً من كان وإن ازدروه بقوله: ﴿ولا أقول للذين﴾ أي لأجل الذين ﴿تزدري﴾ أي تحتقر ﴿أعينكم﴾ أي تقصرون به عن الفضل عند نظركم له وتعيبونه ﴿لن يؤتيهم الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿خيراً﴾ ولما كان كأنه قيل: ما لك لا تقول ذلك؟ أجاب بما تقديره: لأني أعلم ضمائرهم ولا أحكم إلا على الظاهر: ﴿الله﴾ أي المحيط بكل شيء ﴿أعلم﴾ أي حتى منهم ﴿بما في أنفسهم﴾ ومن المعلوم أنه لا يظلم أحداً، فمن كان في نفسه خير جازاه عليه، ويجوز


الصفحة التالية
Icon