أي أوقعوا الظلم بترك النهي عن الفساد، وما أحسن إطلاقها عن التقييد ب ﴿منهم﴾ ﴿ما﴾ ولما كان المبطر لهم نفس الترف، بني للمفعول قوله: ﴿أُترفوا فيه﴾ فأبطرتهم النعمة حتى طغوا وتجبروا ﴿وكانوا مجرمين*﴾ أي متصفين على سبيل الرسوخ بالإجرام، وهو قطع حبل الله على الدوام، فأهلكهم ربك لإجرامهم، ولولا ذلك لما فعل، فإن إهلاكهم على تقدير الانفكاك عن الإجرام يكون ظلماً على ما يتعارفون.
ولما لاح بما مضى أن العبرة في الإهلاك والإنجاء للاكثر، قرره وأكده وبينه بقوله: ﴿وما كان ربك﴾ ذكر سبحانه بالوصف المفهم للإحسان تثبيتاً له وتأميناً ﴿ليهلك القرى﴾ أي إهلاكاً عاماً ﴿بظلم﴾ أي أيّ ظلم كان، صغير أو كبير ﴿وأهلها مصلحون*﴾ أي في حال ظلم بأن يوقع إهلاكهم في حال إصلاحهم الذي هم عريقون فيه، فيكون الإهلاك في غير موقعه على ما يتعارف العباد مع العلم بأن له أن يفعل ذلك في نفس الأمر لأنه لا يسأل عما يفعل؛ والإهلاك: إيجاب ما يبطل الإحساس، والهلاك: ضياع الشيء وهو حصوله بحيث لا يدري أين هو؛ والإصلاح: إيجاب ما يستقيم به الأمر على ما يدعو إليه العقل.