بل هو من شكله، أي أنه تعالى لما ركبهم على العجز ومنحهم العقول مع نصب الأدلة، كان ذلك مهيئاً للعبادة فكانوا كأنهم ما خلقوا إلا لها أي ما خلقتهم إلا ليعرفون بنفوذ أقضيتي وتصاريفي فيهم فيعبدون، أي يخضعوا لي فمن كان منهم طائعاً فهو عابد حقيقة، ومن كان عاصياً كان عابداً مجازاً، أي خاضعاً للأمر لنفوذه فيه وعجزه عن الامتناع كما قال تعالى ﴿ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً﴾ [الرعد: ١٥]، فقد بان أن خلقهم للعبادة فقط ينافي خلقهم للاختلاف، لأن جريهم في قضائه بالاختلاف عبادة وسجود لغة، وذلك أن مادتي عبد وسجد تدوران على الخضوع والذل والانقياد، وبذلك كان الكل عبيد الله، أو الإشارة إلى مجمع الاتفاق والاختلاف ليظهر فضله على من ثبتهم ويظهر عدله فيمن خذلهم.
ولما كان هذا الاختلاف سبب الكفر الذي أرسل رسله بالقتال عليه، كان ربما ظن أنه بغير مشيئته، فبين أنه إنما هو بمراده ولا اعتراض عليه فقال: ﴿وتمت﴾ أي فبادروا إلى ما خلقهم لهم معرضين عن أوامره ولم تغن عنهم عقولهم، وتمت حينئذ ﴿كلمة ربك﴾ أي المحسن إليك بقهر أعدائك التي سبقت في الأزل وهي وعزتي ﴿لأملأن جهنم﴾