والنقص، استعير له ذلك لأنه دليل كالناطق بالحكمة لأنه يؤدي إلى المعرفة التي يميز بها طريق النجاة من طريق الهلاك، وهو حاكم يبين الحق من الباطل في الأصول والفروع ويحكم بالعدل الذي لا جور فيه بوجه في كل نازلة، ومحكم لما أتى به، مانع له من الفساد، لا يمحوه الماء ولا تحرقه النار ولا تغيره الدهور، وهذا ما ظهر لي في التحامها بما قبلها؛ وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة براءة قوله تعالى
﴿إلا تنصروه فقد نصره الله﴾ [براءة: ٤٠] وقوله ﴿عفا الله عنك لما أذنت لهم﴾ [براءة: ٤٣] وقوله ﴿ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾ [براءة: ٦١] وقوله: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾ [براءة: ١٢٨] إلى آخر السورة إلى ما تخلل أثناء آي هذه السورة الكريمة مما شهد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتخصيصه بمزايا السبق والقرب والاختصاص والملاطفة في الخطاب ووصفه بالرأفة والرحمة، هذا ما انطوت هي والأنفال عليه من قهره أعداءه وتأييده ونصره عليهم وظهوره دينه وعلو دعوته وإعلاء كلمته إلى غير هذا من نعم الله سبحانه عليه، وكان ذلك كله مظنة لتعجب المرتاب وتوقف الشاك ومثيراً لتحرك ساكن الحسد من العدو العظيم ما منحه عيه السلام، قال تعالى ﴿أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس﴾ إلى قوله: