عن الاخرة ﴿بالحياة الدنيا﴾ أي فعملوا لها عمل المقيم فيها مع ما إشتملت عليه مما يدل على حقارتها ﴿واطمأنوا﴾ إليها مع الرضى ﴿بها﴾ طمأنينة من لا يزعج عنها مع ما يشاهدونه مع سرعة زوالها ﴿والذين هم﴾ أي خاصة ﴿عن آياتنا﴾ أي على ما لها من العظمة لا عن غيرها من الأحوال الدنيّة الفانية ﴿غافلون﴾ أي غريقون في الغفلة، وتضمن قوله تعالى استئنافاً: ﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿مأواهم النار بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿يكسبون*﴾ فإن كسبهم كله ضلال - أنه لا يعاجلهم بالعقاب على تأخير المتاب، وجعلت ملاقاة ما لا يقدر إلا الله ملاقاة الله تفخيماً لشأنها كما جعل إتيان جلائل آيات الله في قوله:
﴿إلا أن يأتيهم الله في ظِلل من الغمام﴾ [البقرة: ٢١٠] ونحوه، والاطمئنان: الركون إلى الشيء على تمكن فيه، فهؤلاء مكنوا الأحوال للدنيا فصار فرحهم وسخطهم لها؛ والغفلة: ذهاب المعنى عن القلب بما يضاد حضوره إياه، واليقظة نقيضها.
ولما أنقضى هذا القسم حالاً ومآلاً، أتبعه سبحانه القسم الآخر بقوله مؤكداً لإنكار الكفار هدايتهم: ﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف بما لهم من القوة النظرية التي كمالها معرفة الأشياء وسلطانها معرفة الله تعالى ﴿وعملوا﴾ أي وصدقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا ﴿الصالحات﴾ بالقوة العملية التي سلطانها عبودية الله تعالى، والصالح: ما جاء بالحث عليه الأنبياء عليهم السلام ﴿يهديهم﴾ أي على


الصفحة التالية
Icon