ولهذا تحرّج السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، فحين سُئِلَ أبو بكر - رضي الله عنه - عن الأبّ في قوله تعالى [عبس: ٣١]، قال: "أيّ سماء تُظلّني، وأيّ أرض تُقُلني إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم".
وقال الإمام الطّبريّ: إنَّ القائل برأيه مخطئ وإنْ أصاب الحقّ؛ لأنَّها إصابة خارص وظانّ، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لا يعلم، وقد حرَّم الله جلّ ثناؤه ذلك في كتابه على عباده فقال تعالى [الأعراف: ٣٣].
فهذه الآثار وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرُّجهم من الكلام في التَّفسير بما لا علم لهم به، أمَّا مَنْ تكلّم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه، ويكون الأمر أشدّ نكيراً لو ترك التَّفسير بالمأثور الصحيح، وعدل عنه إلى القول بالرّأْي.
نماذج من المفسِّرين بالمأثور:
[١] الإمام الطّبريّ:
هو أبو جعفر محمد بن جرير بن زيد بن كثير بن غالب الطّبريّ، الإمام الجليل والمجتهد المطلق. وُلِدَ بطبرستان سنة ٢٢٤هـ، ثم رحل في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وطوّف في الأقاليم ثم ألقى عصاه واستقرّ ببغداد، وبها توفى سنة ٣١٠هـ.
هذا ويقع تفسيره المسمَّى بـ (جامع البيان في تفسير القرآن) في ثلاثين جزءً.