كذلك أجابوا على الدليل الرابع بقولهم: إنَّ النهي محمول على مَنْ يقول في القرآن بظاهر العربية من غير أنْ يرجع إلى أخبار الصحابة الذين شاهدوا تنزيله وأدّوا إلينا من السنن ما يكون بياناً لكتاب الله تعالى وبدون أنْ يرجع إلى السماع والنقل فيما يتعلّق بغريب القرآن وما فيه من الحذف والإضمار والتأخير ومراعاة مقتضى الحال، فمثلاً قوله تعالى [الإسراء: ٥٩]، معناه: وآتينا ثمود الناقة معجزة واضحة وآية بيّنة على صدق رسالته فظلموا بعقرها أنفسهم.
ولكن الواقف عند ظاهر العربية وحدها بدون أنْ يستظهر شيئاً مما تقدّم يظنّ أنّ من الإبصار بالعين.
هذا وبعد أنْ ردّ المجيزون على أدلة المانعين استدلوا على جواز التَّفسير بالرَّأْي بما يأتي:
أولاً: وردت في القرآن نصوص كثيرة تحثُّ على تدبُّر القرآن، والاعتبار بآياته، والاتّعاظ بعظاته، منها قوله تعالى [محمد: ٢٤]، وقوله تعالى [ص: ٢٩]، وقوله تعالى
[النساء: ٨٣].
ثانياً: لو كان التَّفسير بالرَّأْي غير جائز؛ لما كان الاجتهاد جائزاً ولتعطيل كثير من الأحكام، وهذا باطل بيّن البطلان.
ثالثاً: ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم أنَّهم قرأوا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه.
رابعاً: ورد عن النبي - ﷺ - أنَّه دعا لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله: (اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التَّأويل). فلو كان التَّأويل مقصوراً على السَّماع والنَّقل كالتَّنزيل لِمَا كان هناك فائدة لتخصيص ابن عباس بهذا الدُّعاء.
ومن هنا يعلم أنَّ التَّأويل الذي دعا به الرَّسول - ﷺ - لابن عباس هو شيء آخر وراء النَّقل والسَّماع ذلك هو التَّفسير بالرَّأْي والاجتهاد.