هذه هي أدلة الطَّرفين، كلّ يحاول أنْ يثبت قوله، ويؤيّد مدّعاه، يقول الغزالي ـ بعد الاحتجاج والاستدلال على بطلان القول بأنْ لا يتكلّم أحد في القرآن إلاَّ بما سمعه ـ: "فبطل أنْ يشترط السَّماع في التَّأويل، وجاز لكلّ واحد أنْ يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحدّ عقله" (١).
وهذا هو الرّاغب الأصفهاني ـ بعد أنْ ذكر المذهبين وأدلتهما ـ يقول: "وذكر بعض المحقّقين أنَّ المذهبين هما: الغلو والتَّقصير، فمَنْ اقتصر على المنقول إليه؛ فقد ترك كثيراً مما يحتاج إليه، ومَنْ أجاز لكلّ أحد الخوض فيه، فقد عرّضه للتخليط ولم يعتبر حقيقة قوله تعالى.
وجملة القول أنَّ الجمود على المنقول تقصير وتفريط بلا نزاع والخوض في التَّفسير لكلّ إنسان غلو وإفراط بلا جدال" (٢).
ومما تقدّم يتضح أنَّ التَّفسير بالرَّأْي قسمان:
[أ] قسم مذموم غير جائز.
[ب] وقسم ممدوح جائز.
وأنَّ القسم الجائز محدود بحدود، ومقيّد بقيود، ومن هذه القيود ما أشار إليه أهل العلم من الأدوات التي إذا توفّرت في المفسِّر وتكاملت فيه، فإنَّه يخرج عن كونه مفسِّراً للقرآن بمجرّد الرَّأْي ومحض الهوى.
من هذه الحدود والقيود ما يأتي:
[١] علم اللُّغة:
الذي يمكن شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع.
[٢] علم النَّحو:
لأنَّ المعنى يتغيّر ويختلف باختلاف الإعراب.
[٣] علم الصَّرف:
الذي بوساطته نعرف الأبنية والصِّيغ، فقد ذكروا من بدع التَّفاسير قول مَنْ قال: إنَّ الإمام في قوله تعالى [الإسراء: ٧١]، جمع أم وأنَّ الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم، وهذا غلط أوجبه جهله بالصَّرف، فإنَّ أمّاً لا تجمع إمام.
[٤] معرفة الاشتقاق:
لأنَّ الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما، كالمسيح مثلاً، هل هو من السياحة أو من المسح.
[٥] علوم البلاغة الثلاثة:

(١) الإحياء، ٣/١٣٧.
(٢) مقدمة التَّفسير للراغب، ص ٤٢٣.


الصفحة التالية
Icon