قال عنه السيوطيّ: "إنَّ القاضي ناصر الدين البيضاويّ لخّص هذا الكتاب فأجاد، وأتى بكلّ مستجاد، وماز فيه أماكن الاعتزال، وطرح موضع الدسائس وأزال، وحرّر مهمات، واستدرك تتمات، فظهر كأنَّه سبيكة نصار، واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النَّهار، وعكف عليه العاكفون، ولهج بذكر محاسنه الواصفون، وذاق طعم دقائقه العارفون، فأكبّ عليه العلماء تدريساً ومطالعة، وبادروا إلى تلقيه بالقَبول رغبة فيه ومسارعة" (١).
[٣] مدارك التَّنزيل وحقائق التَّأويل:
لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النَّسفيّ (٢)، الحنفيّ، أحد الزُّهاد المتأخرين والأئمة المعتبرين، كان إماماً كاملاً، عديم النظير في زمانه، رأساً في الفقه والأصول، بارعاً في الحديث ومعانيه، بصيراً بكتاب الله تعالى.
وقد لخَّص ـ رحمه الله تعالى ـ طريقته في تفسيره في العبارات الآتية، حيث يقول: "قد سألني مَنْ تتعيّن إجابته كتاباً وسطاً في التَّأويلات، جامعاً لوجوه الإعراب والقراءات، متضمّناً لدقائق علمي البديع والإشارات، حالياً بأقاويل أهل السُّنَّة والجماعة، خالياً من أباطيل أهل البدع والضلالة، ليس بالطويل المملّ، ولا بالقصير المخلّ".
كانت وفاة النسفيّ ـ رحمه الله تعالى ـ سنة ٧٠١هـ، ودُفِنَ ببلدته (أيذج) (٣).
هذا وقد اختصر النسفيّ تفسيره من تفسير البيضاويّ والكشّاف، غير أنَّه ترك ما في (الكشّاف) من الاعتزالات، وجرى فيه على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة.
[٤] لباب التَّأويل في معاني التَّنزيل:
(٢) النّسفيّ: نسبة إلى نسيف من بلاد ما وراء النهر.
(٣) أيذج: على وزن أحمد، بلد بكردستان. وانظر ترجمة النّسفيّ في: الدرر الكامنة، ٢/٢٤٧، والفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص ١٠٢.