وبعد؛ فهذه نماذج عن الغلاة الذين فسّروا القرآن تبعاً لعقيدتهم الفاسدة، وأهوائهم الباطلة، فصرفوا اللفظ القرآنيّ عن معناه الذي سيق له، وقالوا عن الله بغير علم ولا برهان، فهلكوا وأهلكوا مَنْ تبعهم، أو قال بقولهم، أو اعتقد ما يعتقدون.
التَّفسير الصوفيّ:
هو تفسير يخرج القرآن عن هدفه الذي يرمي إليه. فهذا ابن عربي يميل ببعض الآيات إلى مذهبه القائل بوحدة الوجود، ومثله أبو زيد البسطاميّ والحلاج وغيرهم. فوحدة الوجود عندهم معناها أنْ ليس هناك إلاَّ موجود واحد، كلّ العالم مظاهر ومجال له، فالله سبحانه هو الموجود الحقّ، وكلّ ما عداه ظواهر وأوهام، ولا توصف بالوجود إلاَّ من قبيل المجاز، وهذا المذهب هو الذي خوَّل للحلاج أنْ يقول: أنا الله، ولابن عربي أنْ يقول: إنَّ عجل بني إسرائيل أحد المظاهر التي اتخذها الله وحلّ فيها.
يقول ابن عربي في الآية (١٦٣) من سورة البقرة:
: "إنَّ الله خاطب في هذه الآية المسلمين والذين عبدوا غير الله قربة إلى الله، فما عبدوا إلاَّ الله، فلما قالوا: ما نعبدهم إلاَّ ليقربونا إلى الله زلفى، فأكّدوا ذكر العلة، فقال الله لنا: إنَّ إلهكم، والإله الذي يطلب المشرك القربة لعبادته واحد (١).
التَّفسير الصوفيّ الإشاريّ:
هو تأويل القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية، هذا والفرق بين التَّفسير الصوفيّ الإشاريّ والنظريّ يتضح في الآتي:
[١] التَّفسير الصوفيّ النظريّ يرى صاحبه أنَّ كلّ ما تحمله الآية من المعاني هو المعنى الذي يراه، وليس وراءه معنى آخر. أمَّا الإشاريّ فلا يرى صاحبه ذلك؛ بل يقبل المعنى الظاهر المراد من الآية، ويرى أنَّ هناك معنى آخر أدقّ من هذا المعنى الظاهر، فمثلاً قوله تعالى [التوبة: ١٢٣]. فالنظريّ يقصر المعنى على قتال النفس فقط، والإشاريّ يقبل المعنى المراد من الآية الذي هو قتال الكفار، ويقول بقتال النفس.